سمات النص المسرحي:
وضع النص في سياقه الأدبي والفني:
مر النقد المسرحي في العالم العربي بمرحلتين متعاقبتين، واكبت أولاهما فترة ظهور
المسرح وامتدت من منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، اضطلع
المسرحيون أنفسهم بمهمة التعريف بالمسرح والدفاع عنه، والبحث عن حجج للإقناع
بأهميته. وقد ساهمت الصحافة في نشر هذا الوعي النقدي المبكر، عبر مقالات وصفت واقع
المسرح العربي، ودعت إلى البحث عن سبل لتطوير الأساليب المسرحية. ومن أبرز نقاد
هذه المرحلة عبد الله النديم، ومحمد تيمور، العقاد و محمد حسين هيكل، اعتمدوا في
نقدهم على التعليق الانطباعي الذي يعتمد أحكاما عامة وذاتية بعيدة عن الأصول
والقواعد النقدية. تلتها مرحلة أخرى تغيرت خلالها الثقافة المسرحية تغيرا جذريا، ولعبت
خلالها المؤسسات الرسمية والمجلات المتخصصة ووسائل الاتصال دورا محوريا في نشر
الثقافة المسرحية، والتعريف بقواعد المسرح ومدارسه المتنوعة، بشكل مكن الناقد من
تجاوز النقد الانطباعي إلى دراسة المسرحيات واستخلاص قواعدها ورصد مظاهر التجديد
فيها. وقد مثل هذه الحقبة عدد من النقاد كحسين المنيعي، محمد المدني وعبد الكريم
برشيد، إلى جانب فرحان بلبل، أحد أقطاب مرحلة النضج النقدي في المسرح العربي، وهو
صاحب المقالة المعالجة.
- فما القضية التي يطرحها النص؟
- وما طرائق العرض فيه؟
- وإلى أي حد استلهم خصوصيات المرجعية النقدية التي ينتمي إليها؟
صياغة فرضية لقراءة النص:
بالنظر إلى مؤشر العنوان يمكن أن نفترض أن النص مقالة نقدية تفسيرية تحدد خصائص النص المسرحي، وترصد أوجه اختلافه عن الأجناس الأدبية الأخرى. وتدعم هذا الافتراض دلالة بداية النص التي تعرض أخص خصائص النص المسرحي وهي المعايشة، ودلالة نهايته التي تبين وظيفة المسرح الجمعية بين مختلف الفنون التعبيرية كالشعر والفن التشكيلي.
القضية التي يعالجها النص:
تقوم إشكالية النص على ثنائية الهدم والبناء، إحدى أهم خصائص التأليف المسرحي. وبموجبها يعمد المؤلف إلى هدم صورة الواقع المعاش عبر الكشف عن أوجه النقص فيه، قبل أن يبني له صورة مثالية بديلة تعكس سمات التغيير في إطار قالب فني تعبيري وجمالي. وتطبيق هذه الثنائية يحول الكاتب المسرحي بالضرورة إلى خوض مجال تجريبي يقوم تارة على الاقتباس، وأخرى على الابتكار والإبداع.
العناصر الجزئية:
وقد اقتضت مهمة تحليل إشكالية النص، تجزيئها إلى قضايا فرعية ترتبط بعلاقة المسرح بالواقع فرضها كون هذا الأخير المادة الأولية التي يعتمدها المبدع أساسا في عملية الهدم والبناء. وبالمقصدية في التأليف المسرحي، والتي تقتضي رسم أهداف واضحة يروم المبدع تحقيقها من خلال مكونات الصراع، تصاعد الحكاية وبناء الشخصيات، إلى جانب مسألة علاقة المسرح بباقي الفنون، وبمقتضاها أشار الناقد إلى أن المسرح جامع للفنون، يقربها من ذوق المتلقين، لتتحول إلى فن أصيل في الثقافة العربية.
البنية الحجاجية:
ولتأكيد وجهة نظره حيال قضية النص، راهن الناقد على تنويع الأساليب الحجاجية، معتمدا على القياس الاستقرائي بانتقاله من الجانب الخاص للموضوع ( رصد الخصائص والسمات) إلى الجانب العام منه (علاقة المسرح بأشكال تعبيرية أخرى). كما اعتمد على الاقتباس من آراء النقاد الغربيين كستانلافسكي، وعلى التفسير، تفسير السمات الأربع للنص المسرحي، والتشابه في معرض حديثه عن خاصيتي الديمومة والآنية، فضلا عن أساليب الوصف والسرد.
الخلاصة التركيبية:
لقد تمكن فرحان بلبل من كتابة مقالة نقدية
لا يمكن أن ننكر أنها استلهمت مقومات النقد المسرحي. كان يروم من خلالها تسليط
الضوء على سمات النص المسرحي وخصائصه، ليقف عند أوجه التمييز التي ينفرد بها النص
المسرحي. ولتحقيق هذه المقصدية اعتمد أساليب حجاجية متنوعة كالاستقراء والتعريف
والمشابهة...إلى جانب وسائل لغوية ترتبط بالوصف والتفسير والسرد. وتؤكد هيمنة
أساليب التفسير وطبيعة الموضوع، صحة الفرضية التي أشرنا إليها في المقدمة، وكان
مفادها أن النص مقالة نقدية تفسيرية، وأن صاحبها من بين أبرز من مثلوا مرحلة النضج
في الكتابات النقدية المتعلقة بالمسرح.
الدكتور عمر عودى( 2014 ): مناهج قراءة النصوص الأدبية للسنة الثانية من سلك البكالوريا: مسلك الآداب والعلوم الإنسانية. الصفحة 133 وما بعدها بتصرف.