مميزات القصة القصيرة واتجاهاتها
وضع النص في سياقه الأدبي والفني:
القصة القصيرة فن سردي ينفرد بمجموعة من
الخصائص عن الأنواع السردية الأخرى، كالاختزال والتكثيف والتركيز على لحظة زمنية معينة،
يعبر من خلالها عن موقف محدد. وقد ظهر هذا الفن بمعناه الحديث في أوربا خصوصا، في
القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ثم ما لبث أن انتقل إلى الكتابات العربية عبر الصحافة
والمثاقفة والترجمة، ليستوعب قضايا المجتمع العربي ومشكلاته الحضارية والإنسانية.
وقد واكب ظهور هذا الفن القصصي حركة نقدية تبلورت واتضحت معالمها خلال سبعينات
القرن الماضي، لتصبح مفاهيمها أكثر دقة وضبطا ووضوحا. وقد تفرعت القضايا التي
عالجتها بين قضايا تتعلق بالبعد القومي والاجتماعي، وأخرى ترتبط بالشكل الفني
للقصة من حيث تعريفها وتصنيفها، أو من حيث تجنيسها و التأريخ لتطورها. وقد مثل هذه
الحقبة عدد من النقاد كشكري عياد، علي الراعي، محمد برادة، نجيب العوفي، سعيد
يقطين، ومحمد عزام أحد أبرز من عرفوا بالفن القصصي وباتجاهاته الفنية، وهو صاحب
المقالة المعالجة .
·
فما القضية التي يعالجها النص ؟
·
وكيف عبر عنها الشاعر فنيا؟
· وما رهان الناقد من طرحها؟
صياغة فرضية لقراءة النص:
بالنظر إلى بعض المؤشرات الدالة كعنوان المقالة القائم على التساند التركيبي، والذي يوحي برصد خصائص القصة القصيرة ومذاهبها وتياراتها، يمكن أن نفترض أن المقالة نقدية تعالج قضية أدبية هي القصة القصيرة من حيث سماتها واتجاهاتها، ويؤكد هذا الافتراض دلالة بداية النص التي تحيل على نشأة القصة القصيرة وعلى الدافع إلى كتابتها، ودلالة نهايته التي تؤكد وظيفة الأدب في التعبير عن مشكلات المجتمع .
القضية التي يعالجها النص:
تتعلق إشكالية النص بتجنيس القصة العربية وبمسألة إدراجها ضمن جنس أدبي معين. وتستمد هذه الإشكالية أساسها من اختلاف القصة القصيرة عن بقية الأجناس الأخرى، باعتبار نشأتها النوعية وركونها إلى الاختزال والتكثيف، والتعبير عن قضايا الطبقات الدنيا الآخذة في النمو والتزايد، فضلا عن خصوصية الغلاف الزمني المخصص لقراءتها وارتباطه بمدة زمنية محددة. ويدعم إشكالية التجنيس الأدبي هذه، تنوع اتجاهات القصة وتياراتها واختلافها عن الأنساق الأدبية الأخرى .
العناصر الجزئية:
لمعالجة القضية المطروحة، ركز الناقد على أربع خصائص أساسية هي التي تميز نسق القصة القصيرة عن بعض الأجناس الأدبية الأخرى، كالشعر والرواية، صدرها بالحديث عن النشأة النوعية التي عرفتها القصة القصيرة، مشيرا إلى أنها ظهرت استجابة لحاجة اجتماعية، ارتبطت بموجبها بالتعبير عن قضايا الكاتب الحياتية وعن مشكلات المجتمع عموما، قبل أن تتحول إلى نمط من التعبير الفني. ولإبراز الخصائص الأخرى عمد الناقد إلى مقارنة القصة القصيرة بالشعر ثم بالرواية ليخلص إلى أن الأولى تتميز بكونها لا تناقش القضايا بتوسع وإنما تتميز بالاختزال والتكثيف، وتستوعب أزمة الفرد في زمن السرعة والاختزال، وترتبط بحاجات الطبقات الدنيا المتنامية والمتزايدة، معتمدة على الحوار والسرد . وبعد أن فصل الحديث عن هذه الخصائص، انتقل إلى تحديد اتجاهات القصة ومناهجها، محددا إياها في أربعة مناهج :منهج تقليدي يعنى بالحادثة ويعتني بالسرد والأسلوب، وآخر يركز على الشخصية ويجعلها محورا للأحداث، ومنهج ثالث يعنى بالعاطفة الإنسانية، بينما يركز المنهج الرابع على الفكرة الرمزية أو المادية التي تعبر القصة عنها .
البنية الحجاجية:
ولتأكيد قضية النص اعتمد الناقد بنية حجاجية تنوعت أساليبها بين القياس الاستنباطي ﴿التدرج من تحديد ظروف نشأة القصة القصيرة والأشواط التي قطعتها، إلى الحديث عن مذاهبها واتجاهاتها﴾، وأسلوب المقارنة ﴿ بين القصة القصيرة وجنسين أدبيين آخرين هما الشعر والرواية معتمدا على جرد صفات وخصائص القصة القصيرة ﴾ والتشابه ﴿ في حديثه عن أوجه التقاطع والاختلاف بين القصة القصيرة والشعر ﴾ إلى جانب توظيف مكثف لتقنيات التعريف والوصف والسرد. وقد أضفى هذا التنوع الحجاجي نوعا من الانسجام والتماسك بين مكونات البنية الكلية للمقالة، زاد توظيف الروابط في تماسكها وانسجامها .
الخلاصة التركيبية:
تبين المستويات السابقة أن محمد عزام كان يروم التعبير عن إشكالية طالما ظلت خارج حسابات النقاد، تتعلق بالبحث عن حيز للقصة القصيرة ضمن الأجناس الأدبية الأخرى. ولتحقيق هذه المقصدية عمد إلى جرد خصائص هذا النسق الفني واتجاهاته، معتمدا عناصر الكتابة المقالية وآلياتها، من عناصر استدلالية متنوعة، وأساليب للشرح والتفسير والبناء المنطقي المتدرج. وقد جعل هذا التنوع الأسلوبي المقالة تميل إلى الخاصية العلمية واللغة الإنشائية، وتحقق مقصديتها الإقناعية. وكل هذه الخصائص تؤكد صحة الفرضية المشار إليها آنفا في المقدمة .
د . عمر
عودى: مناهج قراءة النصوص الأدبية للسنة الثانية من سلك البكالوريا مسلك الآداب
والعلوم الإنسانية. 2014. الصفحة 98 وما بعدها.