نموذج نص أدبي: لي في من مضى مثل محمود سامي البارودي
النص
ردَّ الصبا بـــعدَ شيـــبِ اللمـــةِ الغزلُ
وَراحَ بِالْــجِدِّ مَا يَأْتِـــي بِـــهِ الْــهَزَلُ
وَعَــادَ مَا كَــانَ مِنْ صَــبْرٍ إِلَى جـَزَعٍ
بَــعْـــدَ الإِبــاءِ وَأَيَّــامُ الْــفَــتَــى دُوَلُ
فَلَوْ قَــدَرْتُ عَــلَى شَــيْءٍ هَمَــمْتُ بِـهِ
فِي الْحُبِّ، لَـكــِنْ قَضَاءٌ خَـطَّهُ الأَزَلُ
وَللمـــــحبةِ قبــلي ســنـــةٌ ســلـــفـتْ
فِي الذَّاهِبِينَ
وَلِــي فِيـمَنْ مَضَى مَثَـلُ
فإنْ تـكنْ نازعتـــني الـــنفسُ باطـلـها
وَأَطْلَعَتــْنِي عَلــَى
أَســْرَارِهَــا الْكِـلَلُ
فَقــَدْ أَســِيرُ أَمَـــامَ الْقَــوْمِ ضَــاحِـــيَـةً
وَالْجَــوُّ بِالْبــَاتِرَاتِ الْبِـــيضِ مُشْتَعِلُ
بِـكــُلِّ أَشـــْقَرَ قَــدْ زَانَــتْ قَـوَائِــــمَــهُ
حُجُولُهُ
غَـــيْرَ يُمْـــنَى زَانَها الْعَـــطَلُ
كَأَنَّهُ خَاضَ نَهـْرَ الصُّـــبْحِ، فَانـْتَــبَذَتْ
يمناهُ وَانبــثَّ
فــي أعــطافهِ الطـــفلُ
زُرْقٌ حــَوَافـــِرُهُ، سُـــودٌ نَـــوَاظـــِرُهُ
خُــضْرٌ
جَـحَافِــلُهُ، فِــي خَلْقـِهِ مَــيَـلُ
أُمْضِي بِهِ الْهَوْلَ مِقْــدَاماً، وَيَصْحَـبُنِي
ماضي الغرارِ إذا ما
استفحلَ الوهـلُ
يَمـُرُّ بِالـْهـَامِ مَـرَّ الْبـَـرْقِ فِــي عَـــجَل
وَقْـتَ الضِّـرَابِ،
وَلـَمْ يَعـْلَقْ بِهِ بَــلَلُ
تَـرَى الرِّجَـالَ وُقُــوفاً بَـعـْدَ فَتْـكَتِـــــهِ
بِهِـمْ، يُـظَـنُّـونَ أَحْـيَـاءً وَقَـدْ قُـتـِلـــُوا
كأنــهُ شـعـــلةٌ فـي الكــــفَّ قائـمــــةٌ
تهـفو بـها الريـحُ أحـيـاناً، وتعتــــدلُ
يَفــُلُّ مَا بَـــقِــيَتْ فِي الْكَـفِّ قَبْضَــــتُهُ
كُـلَّ الْحَــدِيدِ وَلَــمْ يَـــثْـأَرْ
بِـهِ فَــلَـــلُ
بَــلْ رُبَّ سَــارِيَــةٍ هَــــطْلاَءَ دَانِـــيَـةٍ
تَنـْمُو السّــَوَامُ بِهَـا، وَالنَّبـْتُ يَكْتـَـــهِلُ
يَمَّــمْتُهَا بِرِفَــاقٍ إِنْ دَعَــوْتُ بِـــهــــِمْ
لبوا سراعا ،
وَإن أنـزلْ بـهمْ نـزلـوا
فما مضتْ ساعةٌ ، أوْ بعضُ ثانــــــيةٍ
إِلاَّ وَلِلـصَّـيْدِ
فِــي سَاحَـاتِــــنَـا نـــُزُلُ
فكــانَ يــوماً قــضيــــنا فــيهِ لذتـنــــا
كما اشتــهـيـنا فلا غـشٌّ
وَلاَ دغـــلُ
هذَا هُوَ الْعَيْشُ لاَ لَغــْوُ الْحـدِيـــثِ وَلاَ
مَا يَسْتَـغِـــيرُ
بِـهِ ذُو الإِفْــكـَةِ النَّـمــِلُ
فَاتْبَعْ هَـــوَاكَ، وَدَعْ مَا يُســْـتَرَابُ بِـهِ
فأكثرُ النـاسِ -
إنْ جـــربتهمْ – هـملُ
وَاعْرِفْ مَوَاضِعَ مَا تَـــأْتِيهِ مِنْ عَمَـلٍ
فَلَيْـسَ فِـي كُلِّ
حِـينٍ يَحْـسُنُ الْعَــــمَلُ
فالريث يحمدُ في بعض الأمــورِ كـما
في بـعض حالاتهِ يستــحسنُ العــجـلُ
هَذَا هُوَ الأَدَبُ الْمَـأْثُورُ، فَارْضَ بِــــهِ
علــماً لــنفســكَ فالأخــلاقُ تنـــتــقلُ