نموذج تحليل مقالة أدبية: قضايا الإطار الموسيقي الجديد للقصيدة
عز الدين إسماعيل.
. وضع النص في سياقه الأدبي والفني:
المقالة فن أدبي حديث الظهور مقارنة ببقية الأجناس الأدبية الأخرى. ظهر، أول ما ظهر، في أوربا، ثم ما لبث أن انتقل إلى الكتابات العربية عبر المثاقفة والصحافة والترجمة. تتميز بنيتها بوحدة الموضوع، والاختزال والتكثيف، والتسلسل المنطقي للأفكار.
وقد استوعبت الكتابة المقالية مختلف التوجهات النقدية التي رافقت الظواهر الإبداعية التي أثثت المشهد الأدبي، بما في ذلك حركة تكسير البنية، إذ كانت مختلف الكتابات النقدية، في هذا المجال، عبارة عن إجابات مختلفة تبرز علة التغير الجذري في بنية القصيدة العربية.
ولعل من بادر إلى الكتابة في هذا الإطار، محمد النويهي، غالي شكري، إلى جانب عز الدين إسماعيل صاحب المقالة المعالجة.
.إشكالية التحليل:
- فما مضمون النص؟
- وما طرائق العرض التي اعتمدها الناقد لتحليله؟
- وما مقصديته من طرحه؟
. صياغة فرضية للقراءة:
يؤشر عنوان النص على طبيعة المضمون، ويربطه بالمسائل المتعلقة بالنسق الإيقاعي الجديد للقصيدة الحديثة، ويسمح بافتراض كون النص مقالة نقدية تعالج قضية أدبية تتعلق بالبنية الإيقاعية المستحدثة في الشعر العربي.
وتدعم هذا الافتراض، بداية النص التي تلخص أشكال التطور والتجديد في موسيقى الشعر، ونهايته التي تحيل على أرقى ما وصل إليه هذا التطور متمثلا في الجملة الشعرية.
. المضمون:
صدر الناقد المقالة بتتبع التطور الدياكروني في موسيقى القصيدة العربية، منذ البيت الشعري إلى الجملة الشعرية، مرورا بالسطر الشعري. إثر ذلك انتقل ليثير ما اصطلح عليه بالمشكلات الجمالية المتعلقة بكل مرحلة، بدءا بقضية جمالية موسيقى البيت، ثم جماليات السطر الشعري، فقضية موسيقى الجملة الشعرية.
ليخلص في الأخير إلى أن الدفقة الشعورية، التي لا تقبل التجزيء، كانت مبررا وجيها لتكسير بنية النظام التقليدي التي لم تعد قادرة على استيعاب مسألة الدفقة الشعورية وامتدادها.
. إشكالية النص:
بهذا المعنى فإن إشكالية النص تندرج في إطار الصراع بين قديم القصيدة، ببنيتها المقفلة، وجديدها الذي كسر هذه البنية القديمة.
وقد اعتبر الناقد أن أساس التشكيل الموسيقي الجديد هو العامل النفسي، لأن تركيبة السطر الشعري والجملة الشعرية هي الشكل الذي يرتاح له الشاعر، ولأن الدفقة الشعورية طاقة تعبيرية غير قابلة للتجزيء، خاصة إذا كانت ممتدة ويتطلب التعبير عنها أسطرا ومقاطع عدة.
. المفاهيم والمصطلحات:
وتتراوح مفاهيم النص ومصطلحاته، انسجاما مع هذه الإشكالية، بين مفاهيم ومصطلحات عروضية قديمة، تستمد أسسها من علم العروض بمفهومه التقليدي ( البيت، قافية، البنية العروضية...)، ومن الأشكال الجديدة للبنيات الشعرية (السطر، الجملة الشعرية، دفقة شعورية...)، إلى جانب بعض المفاهيم النقدية الأخرى ( من التجني أن نقول، إذا نحن تحرينا الدقة، والحق أن...).
. القضايا الجزئية:
وإذ كانت القضية الأساس تندرج، كما أسلفنا، في إطار الصراع بين القديم والحديث، فإن الناقد جزأها إلى قضايا تحتية مترابطة. فأشار إلى مسألة خرق الضوابط العروضية والالتزام بها، وما رافقها من تجديد في مواجهة التقليد، إلى جانب قضية التساوق بين الشكل والمضمون.
ومن خلال هذه القضايا أبرز الناقد كيف قام النظام الجديد على أنقاض القديم، وكيف مهدت مسألة الدفقة الشعورية الممتدة لهذا التحول.
. الأطر المرجعية:
ولأن طبيعة الظاهرة المعالجة مركبة تتشعب روافدها المعرفية، فقد تباينت الأطر المرجعية التي استند الكاتب إليها، بين إطار تاريخي رصد من خلاله تطور الإطار الموسيقى منذ القصيدة البيتية إلى قصيدة الجملة الشعرية، والإطار الثقافي وعلم النفس، لتقريب حديثه عن الطاقة الشعورية التي تنتاب الشاعر لحظة إبداع القصيدة.
. طريقة العرض:
ولتأكيد مختلف أطروحات النص، اعتمد الناقد منهجية تخدم طبيعة النص الحجاجية، متمثلة في القياس الاستنباطي، من خلال التدرج من العام ( أشكال التجديد التي عرفتها القصيدة العربية) ،إلى الخاص (تفصيل كل مرحلة وتحديد جمالياتها الموسيقية)، والمقارنة بين الإطارين الموسيقيين القديم والجديد، إضافة إلى أساليب حجاجية أخرى كالتعريف والتأكيد، والتفسير.
وعلى العموم فقد توسل الناقد بمميزات الأسلوب العلمي، من خلال الاستناد إلى العقل والمنطق، دون العاطفة والخيال، بأسلوب واضح محدد، وبألفاظ دقيقة وعبارات سهلة واضحة بعيدة عن اللغة الأدبية المعقدة.
. الخلاصة التركيبية:
من خلال مستويات التحليل السابقة، يظهر أن المقالة قد استوفت العديد من المقومات الخاصة بتحليل الظاهرة الأدبية، سواء على المستوى المفاهيمي، أو على مستوى ملاءمة الأطر المرجعية المفسرة، والبنية الحجاجية.
وكل هذه الوسائل كانت كافية للتعبير عن مقصدية الناقد في توضيح طبيعة التطور في موسيقى الشعر العربي الحديث، وتحديد الدواعي التي وقفت وراءه، وكفيلة كذلك بتأكيد الفرضية التي مهدنا بها لأطوار هذا التحليل.
الدكتور عمر عودى( 2014 ): مناهج قراءة النصوص الأدبية للسنة الثانية من سلك البكالوريا: مسلك الآداب والعلوم الإنسانية. الصفحة 64.