نموذج تحليل مقالة أدبية: قصيدة الرؤيا
. وضع النص في سياقه الأدبي والفني:
ولأنه من الضروري أن تواكب كل حركة إبداعية حركة نقدية تكشف عن مقوماتها وخصائصها الفنية والجمالية، فقد ظهرت حركة نقدية موازية لشعرالرؤيا، انفتحت على المدارس النقدية الغربية واقتبست مفاهيمها وآلياتها في تحليل الظاهرة الأدبية. وقد تمثل مفهوم الرؤيا عدد من النقاد كيوسف الخال، أحمد الرحماني، صبحي محيي الدين، حسن مخافي، إدريس الزمراني، إلى جانب أدونيس الذي يعتبر أول من رسخ مفهوم الرؤيا في الدراسات النقدية العربية، وهو صاحب المقالة قيد الدراسة والتحليل.
.إشكالية التحليل:
فما القضية المحورية
التي يعالجها النص؟
وما الإطارات المرجعية
التي استند إليها؟
وما طرائق العرض التي توسل بها أدونيس؟
. صياغة فرضية للقراءة:
بالنظر إلى مجموعة من المؤشرات كالعنوان الذي يحصر مضمون النص في شعر الرؤيا، ودلالة بداية النص التي تلخص تعريفا لمفهوم الرؤيا وتجعل منه تغييرا لنظام الأشياء وفي نظام النظر إليها، ودلالة الفقرة الأخيرة التي تحدد طبيعة شعر الرؤيا التي تتجاوز مستوى الشكل إلى الممارسة الشعرية باعتبارها طاقة ارتياد وكشف، يمكن أن نفترض أن النص مقالة نقدية تتناول بالدراسة والتحليل ظاهرة أدبية تتحدد في شعر الرؤيا على مستوى الطبيعة والمضامين والخصائص.
. المضمون:
يرى أدونيس أن الرؤيا قفزة خارج المفاهيم القائمة، ويؤكد أن الشعر موضوع من المعرفة لها قوانينها الخاصة في معزل عن قوانين العلم. إنه إحساس شامل بالحضور وتعبير عن ميتافيزياء الكيان الإنساني يتجاوز الحادثة لاهتمامه بالقضايا التي تمتد نحو المستقبل، ويتجاوز الواقعية لاعتماده على الانزياحات اللغوية. كما يتخلى عن الجزئية والأفقية لأن علاقة الإنسان بالعالم تتجاوز ظواهر الأشياء لتغوص في عمق الظواهر، معتمدا أشكالا تعبيرية حديثة كالرمز والأسطورة.
. إشكالية النص:
تكشف قراءة المضمون عن إشكالية جلية المعالم تتحدد في كون مفهوم شعر الرؤيا تغيير في علاقة الإنسان بذاته وبمحيطه، هدفه استشراف المستقبل والكشف عن عوالم مستقبلية لا سبيل إليها سوى بتجاوز القيود الشكلية وممارسة الشعر باعتباره طاقة ارتياد وكشف.
. المفاهيم والمصطلحات:
على مستوى المفاهيم والمصطلحات، واعتبارا لطبيعة النص النقدية، يمكن أن نلمس هيمنة واضحة للمفاهيم النقدية الحديثة " الشعر الجديد، معنى إيديولوجي..."، إلى جانب مفاهيم أدبية فرضتها طبيعة القضية المطروحة " الشاعر، النثر، سردي، وصفي...".
وعلى العموم فقد وظف الناقد حقلين معجميين أساسيين : حقل نقدي وآخر فلسفي فرضته طبيعة المرجعيات المعتمدة " البحث، الشك، العقل والمنطق، الخيال والحلم..."، والعلاقة بين المعجمين علاقة تفاعل يخدم في إطارها الحقل الفلسفي الحقل النقدي، لأن شعر الرؤيا قائم بالأساس على تصور فلسفي يعتمد إلى حد بعيد على استشراف المستقبل وافتراض العوالم الإيجابية الممكنة، انطلاقا من إدراك العلاقة بين جزئيات الأشياء.
. القضايا الجزئية:
ولتفصيل الحديث عن القضية المحورية، اعتمد الناقد على تضافر عدد من القضايا التحتية، تحددت معالمها عبر عدد من الثنائيات (رؤيا مستقبلية/ رؤيا أفقية) ( معنى الخلق والتوليد/ المعنى السردي والوصفي) ( الخيال والحلم/ العقل والمنطق). ويمكن أن نلاحظ أن القضايا الفرعية تقوم على ثنائيات ضدية هدفها عقد نوع من المقارنة والموازنة بين شعر الحادثة وشعر الرؤيا.
فإذا كان الأول يعالج الظواهر وفق رؤيا أفقية اعتمادا على معان سردية تتوسل العقل والمنطق، فإن خطاب الرؤيا، في المقابل، يعتمد الخيال والحلم لتوليد معان خلاقة في إطار رؤيا مستقبلية قوامها استشراف المستقبل.
. الأطر المرجعية:
ولأن مفهوم الرؤيا مفهوم مركب تتقاسمه حقول معرفية متباينة، فقد كان لزاما أن ينفتح النص على أطر مرجعية متنوعة تتباين بين ما هو ديني، يرتبط بعالم التصوف، وما هو فلسفي وجودي، وما هو فني يغوص في أعماق الخيال ويستمد أسسه من مجال السوريالية.
ولعل ما يفسر هيمنة المرجعية الصوفية طبيعة مفهوم الرؤيا باعتباره طاقة ارتياد وكشف. ويمكن أن نلاحظ أن ممارسة النقد في المقالة قد تراوحت بين النقد الوصفي، متمثلا في جرد خصائص قصيدة الرؤيا، والنقد المعياري، يفسره لجوء الناقد إلى المقارنة بين قصيدة الرؤيا وقصيدة الحادثة.
.طريقة العرض:
ولخدمة مقصدية النص
الحجاجية، وظف الناقد بنية حجاجية تنوعت بين القياس الاستنباطي ( الانتقال من
تعريف قصيدة الرؤيا إلى جرد خصائصها ومميزاتها)، وأسلوب التمثيل باقتباسه آراء
نقاد غربيين، والتعريف والمقارنة. وقد أضفى هذا التنوع الحجاجي نوعا من الانسجام
بين مكونات البنية الكلية للمقالة، زاد توظيف الروابط وأسماء الإشارة في اتساقها.
لخلاصة التركيبية:
تبين مستويات التحليل السابقة تركيزا واضحا على جانب المضمون في قصيدة الرؤيا. ويعكس هذا التركيز إلى حد بعيد مقصدية الناقد المتمثلة في الرد على معترِض ضمني، يمكن أن نستخلص وجهة نظره في نفي الشعرية عن القصيدة الجديدة لكونها تنسف الأعراف الشكلية المتعارف عليها.
وبتركيزه على المضمون يحاول الناقد إثبات هذه الشعرية، محتجا بكون قصيدة الرؤيا تتجاوز مستوى الظاهر إلى طبيعة الممارسة الشعرية. وعلى العموم يمكن أن نلاحظ أن المقالة قد استوفت جل مقومات الدراسات النقدية العربية التي استلهمت النموذج الغربي في تحليل الظواهر الأدبية، بشكل مكنها من تحقيق مقصديتها الحجاجية والإقناعية.
الدكتور عمر عودى( 2014 ): مناهج قراءة النصوص الأدبية للسنة الثانية من سلك البكالوريا: مسلك الآداب والعلوم الإنسانية. الصفحة 82.