تكسير البنية: رصيد معرفي
1- التعريف:
نتيجة للظروف العامة التي شهدها العالم العربي خلال منتصف القرن التاسع عشر، فقدت القصيدة العربية العمودية جاذبيتها، إذ لم تعد قادرة على استيعاب أسئلة جديدة فرضت نفسها على الشاعر الحديث. لهذا السبب كان من الضروري تكسير بنيتها وتوطيد دعائم بنية بديلة لها، سميت بتسميات عدة، كشعر التفعيلة، الشعر الحر، المنطلق، المرسل..عوَّل عليها المحدثون لتشخيص التحول في الفكر والتقدم في الرؤيا.
وحركة تكسير البنية تعبير عن حاجة ماسة إلى التغيير وامتلاك وعي متحرر يتجه نحو المستقبل ويخرج من جمود الأفكار والتقاليد المانعة من التجاوب ومتطلبات العصر. نشأت في سياق تحولات اجتماعية وثقافية فرضتها مواجهة الاستعمار، ووقع نكبة فلسطين. ورغم أن سنة 1948 اعتبرت حاسمة في ظهور هذه الحركة، إلا أن إرهاصات التجديد ظهرت مع المجموعة الشعرية " بلوتولاند " للويس عوض، وترجمة مسرحية شكسبير لعلي أحمد باكثير. وتنسب ريادة هذا التيار لنازك الملائكة في قصيدة "الكوليرا " ، وبدر شاكر السياب في قصيدة "هل كان حبا؟ ".
2- الرواد:
جيل الرواد كانت له الجرأة على تكسير البنيات القديمة وتجريب أدوات فنية، ورؤى أرست دعائم القصيدة الحديثة. من بين هؤلاء الرواد: نازك الملائكة، عبد المعطي حجازي، صلاح عبد الصبور، أحمد المجاطي، وعبد الله راجح.
3- الخصائص:
- على مستوى المضمون، اتسمت خطابات تكسير البنية بالتحرر من الموضوعات والأغراض التقليدية، والتعبير عن تجارب تلتحم فيها الذات بالجماعة، وفق رؤية شاملة قوامها الاستكشاف والقلق والتساؤل، وعمادها التطلع إلى أفق فكري رحب يستوعب قضايا الإنسان وتعقيدات الوجود.
- أما على مستوى البنية الإيقاعية فقد اتسمت بالتحرر من البناء التقليدي، وخرق نظام الشطرين، وكسر تفعيلات البحور وتنويع القوافي وحرف الروي.
- معجميا تميزت بتقريب لغة الشعر من لغة الحديث اليومية، وكسر النظام الصارم للجملة العربية، وخرق الأعراف اللغوية عن قصد.
- بخصوص التصوير البياني، اجتهدت القصيدة الحديثة في توسيع أفق الصورة الشعرية، بتعميق دلالاتها النفسية والخيالية، والتــفاعل مع التــراث الإنسـاني من خلال الرموز والأساطير والنماذج الإنسانية العليا.
الدكتور عمر عودى( 2014 ): مناهج قراءة النصوص الأدبية للسنة الثانية من سلك البكالوريا: مسلك الآداب والعلوم الإنسانية. الصفحة 58.